روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلـم قال: ((مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ، بَنَى اللَّهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ مِثْلَهُ)).
وروى البزار في مسنده من حديث أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلـم قال: ((سَبْعٌ يَجْرِي لِلْعَبْدِ أَجْرُهُنَّ وَهُوَ فِي قَبْرِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ: مَنْ عَلَّمَ عِلْمًا، أَوْ أَجْرَى نَهْرًا، أَوْ حَفَرَ بِئْرًا، أَوْ غَرَسَ نَخْلًا، أَوْ بَنَى مَسْجِدًا، أَوْ وَرَّثَ مُصْحَفًا، أَوْ تَرَكَ وَلَدًا يَسْتَغْفِرُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ)).
والمساجد يجب أن تُنظَّف، وتُطيَّب، وتُجنَّب الأقذار، والروائح الكريهة؛ روى الإمام أحمد في مسنده من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلـم بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ».
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أَنَّ امرَأَةً سَودَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ المَسجِدَ، فَفَقَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلـم، فَسَأَلَ عَنهَا؟ فَقَالُوا: مَاتَتْ، فَقَالَ: ((أَفَلا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي؟)) قَالَ: فَكَأَنَّهُمْ صَغَّرُوا أَمْرَهَا، فَقَالَ: ((دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهَا))، فَدَلُّوهُ، فَصَلَّى عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: ((إِنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً عَلَى أَهْلِهَا، وَإِنَّ اللَّهَ عز وجل يُنَوِّرُهَا لَهُمْ بِصَلاتِي عَلَيْهِمْ))، وفي رواية: «كَانَتْ تَلْتَقِطُ الْخِرَقَ وَالْعِيدَانَ مِنَ الْمَسْجِدِ».
وفي الصحيحين من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلـم قال: ((مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ، وَالثُّومَ، وَالْكُرَّاثَ، فَلا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا؛ فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ)). ويلحق بهذا الأطعمة ذات الروائح الكريهة، وأعظم من ذلك وأولى بالنهي التدخين، أو ما يُسمَّى بالشيشة.
وقد ورد النهي أيضًا عن نشد الضالَّة، والبيع والشراء في المسجد؛ روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلـم قال: ((مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ، فَلْيَقُلْ: لا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْكَ، فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا)).
وروى الترمذي في سُنَنِه من حديث أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلـم قال: ((إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ، أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ، فَقُولُوا: لا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ)).
ويلحق بذلك سؤال الناس أموالهم في المساجد، وإشغالهم عن التسبيح والتكبير، والتهليل، والذكر عمومًا بحجَّة الفقر والحاجة.
أيها المسلمون، وردَتْ كذلك أحاديثُ كثيرةٌ بالنهي عن زخرفة المساجد، والمبالغة في صرف الأموال في ذلك؛ روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلـم قال: ((لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَبَاهَى النَّاسُ فِي المَسَاجِدِ)).
وروى أبو داود في سننه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلـم: ((مَا أُمِرْتُ بِتَشْيِيدِ الْمَسَاجِدِ))، وقال ابن عباس: لَتُزَخْرِفُنَّهَا كَمَا زَخْرَفَتِ اليَهُودُ وَالنَّصَارَى.
وروى سعيد بن منصور في سننه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلـم: ((إِذَا زَخْرَفْتُمْ مَسَاجِدَكُمْ، وَحَلَّيْتُمْ مَصَاحِفَكُمْ، فَالدَّمَارُ عَلَيْكُمْ)).
وكان مسجده عليه الصلاة والسلام متواضعًا، لم يكن به شيء من الزخارف والزينة؛ فروى البخاري في صحيحه من حديث نافع: أَنَّ عَبدَاللَّهِ أَخبَرَهُ أَنَّ المَسْجِدَ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلـم مَبْنِيًّا بِاللَّبِنِ، وَسَقْفُهُ الجَرِيدُ، وَعُمُدُهُ خَشَبُ النَّخْلِ، فَلَمْ يَزِدْ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ شَيْئًا.
وفي صحيح البخاري: أَنَّ عُمَرَ أَمَرَ بِبِنَاءِ المَسْجِدِ، وَقَالَ: أَكِنَّالنَّاسَ مِنَ المَطَرِ، وَإِيَّاكَ أَنْ تُحَمِّرَ أَوْ تُصَفِّرَ فَتَفْتِنَ النَّاسَ، وَقَالَ أَنَسٌ: يَتَبَاهَوْنَ بِهَا، ثُمَّ لا يَعْمُرُونَهَا إِلا قَلِيلًا.
أيها المسلمون، عمارة المساجد ليست مقتصرةً على بنائها فقط؛ بل تكون بالصلاة والذكر، والدعاء، والاستغفار، وحلقات العلم؛ قال تعالى: ﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴾ [النور:36-37].
وروى مسلم في صحيحه من حديث عقبة بن عامر قال: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلـم وَنَحْنُ فِي الصُّفَّةِ، فَقَالَ: ((أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَغْدُوَ كُلَّ يَوْمٍ إِلَى بُطْحَانَ أَوْ إِلَى الْعَقِيقِ، فَيَأْتِيَ مِنْهُ بِنَاقَتَيْنِ كَوْمَاوَيْنِفِي غَيْرِ إِثْمٍ وَلا قَطْعِ رَحِمٍ؟))، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نُحِبُّ ذَلِكَ، قَالَ: ((أَفَلا يَغْدُو أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَيَعْلَمُ أَوْ يَقْرَأُ آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عز وجل، خَيْرٌ لَهُ مِنْ نَاقَتَيْنِ، وَثَلاثٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلاثٍ، وَأَرْبَعٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَرْبَعٍ، وَمِنْ أَعْدَادِهِنَّ مِنَ الإبِلِ)).
وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلـم قال: ((مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ)).
لا تعليق